عزيزتي سارة
أظنه يصعب في ظل كل هذه البرودة المحيطة ، أن نتحدث عن الدفء .
لكن لأحاول و نرى هل ستعبر الكلمات عما أريد أم لا .
في طفولتي يا سارة لم أكن أشعر بالبرد نهائيًا ، على العكس تمامًا كنت
استمتع بشتاء دافيء نابع مني شخصيًا، جعل أمي تمنحني لقب شمس البيت؛ حيث
استطاعت دومًا أن تلتمس الدفء في حضني .
بعد وفاة جدتي أم أمي رحمهما الله ، ودخولي لأزمة الثانوية العامة فقدت
الدفء لأول مرة.
قد نرجع هذا الفقدان علميًا للانيميا الحادة التي أصبت بها ، إلا أنني الآن
أدرك أنه بوفاة جدتي رحمها الله شيء ما فُقِد للأبد ، ولا يمكن استعادته للأبد .
كانت جدتي تؤمن أن أصل أي مرض هو البرد أو الحزن ، قالت لي أمي هذا ،
وأصبحت أؤمن به بيقين . والحقيقة إني أجد البرد أصله حزن ، فجوة تنفتح بالقلب تسمح
للريح والبرد أن يدخله ويعصف به .
اتسعت الفجوة بتساقط الأحبة واحدًا تلو الآخر ، والبرودة تسيطرعلى القلب
بلا هوادة.
يرسل الله مع ابتلاءه رحمة ولطف يا سارة ، وقد رأيت على مدار العمر كيف
يمتزج النقيضين ، مثلما تمتزج الحلاوة
والمرارة في مربى اللارنج التي أحبها كثيرًا .
الأكيد أنه لا شيء يعوض فقد الأحبة ، لا أحد يأخذ مكان أحد ، ولا بأي شكل
ممكن .
لكن يهبنا الله من يرمموا القلب ، ليصنعوا مصدات للرياح الخبيثة ، ولا
يتركوا مجال إلا للنسمات الطيبة .
أرى هبات الله حولي دومًا ، نفحات من الجنة في هيئة أهل وأصدقاء يلتفوا حول
القلب كشال من القطيفة الحمراء شديدة النعومة والدفء ، ليحموه من برودة الأيام .
أرى الدفء في أصدقائي حتى الذين لم أرهم بعد يا سارة ، من يمنحوني الحب رغم
فقر اللقاء ، من يظهروا في لحظة ليقدموا المساعدة بالضبط في اللحظة التي نحتاجها ،
من يشتاقوا لرؤيتي رغم غيابي المستمر ، وأحبهم حبًا جمًا .
أراه فيمن يعرفون كيف يقدمون لي الحب شهيًا ، بلا هيستريا الخوف ، ولا
نيران الغيرة .
رأيته في هبة وهي تشاركني الغناء أثناء سيرنا ، حتى يذهب ضيقي .
رأيته في نورا تتأكد من أماني في الطريق ، يوم زفافها تحديدًا .
رأيته في مايسة تحضنني كثيرًا ، وتطعمني تمرًا وشوكولا وعسلًا .
رأيته فيك يا سارة ، وأنت تهدينني صور قططك ، وأخص بالذكر زوزو محتضنة
ذاتها .
هي مجرد أمثلة شديدة البساطة ، شديدة الأثر على قلبي، ويوجد غيرها الكثير
مما لا يسعني ذكره ، لثلاث صديقات بمثابة خط دفاعي الأول ضد الألم ، ضد الحزن ، ضد
الوحدة .
كل شيء في الحياة يمنحه الله بمقدار ، وقد أكرمني الله كرمًا عظيمًا ،
أحمده وأثني عليه .
فله الحمد ..ولكم الامتنان والحب والمودة ..لا أضاع الله لنا مودة ..ولا
لباقي دائرة المحبة في الظلال الأبعد .
مودتي
ريم